الصين نھوض الشعب الصیني

 على النصب التذكاري لأبطال الشعب في قلب میدان تیان آن من ببكین عبارة: “الخلود لأبطال الشعب الذین ضحوا بحیاتھم في حرب التحریر الشعبي والثورة الشعبیة خلال السنوات الثلاث الماضیة! الخلود لأبطال الشعب الذین ضحوا بحیاتھم في حرب التحریر الشعبي والثورة الشعبیة خلال الثلاثین سنة الماضیة! والخلود لأبطال الشعب الذین ضحوا بحیاتھم في الحروب المتتالیة من أجل مقاومة الأعداء في الداخل والخارج ومن أجل نیل استقلال الوطن وحریة الشعب وسعادتھ،

الصين نھوض الشعب الصیني

في الفترة الممتدة قبل ثلاثین سنة حتى عام ١٨٤٠ ،الخلود لھم!” منذ حرب الأفیون عام ١٨٤٠ تعرض الشعب الصیني لاضطھاد من قوى داخلیة وخارجیة عدیدة، وفي سبیل استقلال الوطن والتحرر القومي والدیمقراطیة والحریة بذل عشرات الملایین من الصینیین حیاتھم، وقد بني ھذا النصب التذكاري لأبطال الشعب لإحیاء ذكراھم.

في عام ١٩٤٥ بعد الانتصار في حرب مقاومة العدوان الیاباني التي استمرت ثماني سنوات، كان الشعب الصیني یشتاق بإلحاح إلى بناء الوطن في أجواء من الوحدة والسلام والدیمقراطیة، ولكن حكومة حزب الكومینتانغ بزعامة تشیانغ كاي شیك، بدعم من الولایات المتحدة، خرقت اتفاقیة وقف إطلاق النار بین الكومینتانغ والحزب الشیوعي الصیني، وكذلك كافة الاتفاقیات الصالحة لتحقیق السلام الوطني وممارسة الدیمقراطیة الشعبیة والحیلولة دون نشوب حرب أھلیة، فشنت حربا أھلیة شاملة ضد الشعب.

تحت قیادة الحزب الشیوعي الصیني خاض الشعب الصیني حرب التحریر لمدة ثلاث سنوات، وحقق النصر في نھایة المطاف.

في غرة أكتوبر عام ١٩٤٩ تأسست جمھوریة الصین الشعبیة، كما قال ماو تسي تونغ مؤسس الصین الجدیدة إن ذلك یرمز إلى “أن الشعب الصیني الذي یمثل ربع سكان العالم قد ھب واقفا ابتداء من ھذا الیوم.”

خلال أكثر من مائة سنة قبل ذلك التاریخ ظل الشعب الصیني یسعى إلى التخلص من الاضطھاد والسیطرة الإمبریالیة، لیتولى شئونھ بنفسھ سیدا على دولتھ، ویقرر السیاسة الدبلوماسیة الصینیة بنفسھ حسب مصلحة الصین والقوانین الدولیة. وابتداء من یوم تأسیسھا تمسكت الصین الجدیدة بكل حزم بسیاسة دبلوماسیة سلمیة مستقلة وبالمبادرة الذاتیة، وصانت بثبات سیادة الدولة واستقلالھا وسلامة أراضیھا ومصلحة الوطن والكرامة القومیة.

دبلوماسیة من طراز جدید 

كانت المھمة الأولي للصین الجدیدة في بدایة قیامھا ھي تحطیم السیطرة الإمبریالیة على الصین تماما، واستعادة استقلال البلاد وسیادتھا.

ومن أجل ذلك طرح الرئیس ماو تسي تونغ قبیل تأسیس الصین الجدیدة قراره الحاسم: “بناء فرن مطبخ جدید” و”تنظیف البیت أولا واستقبال الضیوف فیھ ثانیا”، الأمر الذي أرسى قاعدة لدبلوماسیة الصین الجدیدة المتمثلة في الاستقلال والمبادرة الذاتیة.

“بناء فرن مطبخ جدید” یعني أن الصین الجدیدة ستلغي نھائیا جمیع العلاقات الدبلوماسیة وتقالیدھا التي التزمت بھا الصین القدیمة، وترفض مختلف العلاقات الدبلوماسیة التي أقامتھا حكومة الكومینتانغ، وتعامل جمیع الدبلوماسیین السابقین من مختلف الدول كمغتربین عادیین لھذه الدول، ولا تعترف بصلاحیاتھم الدبلوماسیة؛ وعلى جمیع الدول التي ترید إقامة علاقات دبلوماسیة مع الصین الجدیدة أن تجري مفاوضات معھا حول إقامة علاقات دبلوماسیة جدیدة بین الجانبین على أساس المساواة والمنفعة المتبادلة والاحترام المتبادل لسلامة الأراضي وسیادة الدولة.
أما ” تنظیف البیت أولا واستقبال الضیوف فیھ ثانیا” فیعني أن الصین الجدیدة لا تتعجل الحصول على اعتراف الدول الإمبریالیة بھا وإقامة العلاقات الدبلوماسیة معھا، بل علیھا أن تركز جھودھا أولا على تصفیة امتیازات الإمبریالیة وبقایا نفوذھا في الصین، وإبطال كافة الاتفاقیات غیر المتكافئة بین الجانبین.

ووفقا لھذا القرار ینص ((برنامج العمل المشترك للمؤتمر السیاسي الاستشاري للشعب الصیني)) على “أن كل حكومة أجنبیة قطعت علاقتھا مع حكومة الكومینتانغ الرجعیة وتتخذ موقفا ودیا نحو جمھوریة الصین الشعبیة، یمكن للحكومة الشعبیة المركزیة لجمھوریة الصین الشعبیة أن تتفاوض معھا وتقیم علاقات دبلوماسیة معھا على أساس المساواة والمنفعة المتبادلة والاحترام المتبادل للأراضي والسیادة”؛ “وبالنسبة لجمیع المعاھد والاتفاقیات التي وقعتھا حكومة الكومینتانغ مع الحكومات الأجنبیة سوف تراجعھا الحكومة المركزیة الشعبیة لجمھوریة الصین الشعبیة، ثم تقرر حسب محتویاتھا الاعتراف بھا أو إلغاءھا أو تعدیلھا أو إعادة توقیعھا.”

كانت المسألة الأولى التي واجھتھا دبلوماسیة الصین الجدیدة ھي إقامة العلاقات الدبلوماسیة مع مختلف دول العالم والانضمام إلى المجتمع الدولي. في یوم ولادة الصین الجدیدة أعلن الرئیس ماو تسي تونغ للعالم أن: “حكومتنا ھي الحكومة الشرعیة الوحیدة التي تمثل كل الشعب في جمھوریة الصین الشعبیة، وحكومتنا مستعدة لأن تقیم علاقات دبلوماسیة مع كل حكومة أجنبیة ترغب في الالتزام بمبادئ المساواة والمنفعة المتبادلة والاحترام المتبادل للأراضي والسیادة.” وفي الوقت نفسھ أطلع وزیر الخارجیة الصیني شو ان لاي حكومات مختلف دول العالم على مضمون ھذا الإعلان رسمیا. وكانت ردود الفعل لإعلان الصین ھذا متباینة ومعقدة.

وحیث أن جمھوریة الصین الشعبیة أعلنت بشكل علني قبیل ولادتھا أنھا سوف تقف إلى جانب الكتلة الاشتراكیة فقد اتخذت الدول الاشتراكیة موقف تأیید واضحا فور إعلان تأسیسھا، وسرعان ما أقامت الصین العلاقات الدبلوماسیة مع ھذه الدول بدون مفاوضات مسبقة. وكان الاتحاد السوفیتي أول دولة تعترف بالصین الجدیدة وتم تبادل السفیرین بین الجانبین، ثم أقامت كل من بلغاریا ورومانیا و المجر وجمھوریة كوریا الدیمقراطیة الشعبیة وتشیكوسلوفاكیا وبولندا ومنغولیا وألبانیا وجمھوریة فیتنام الدیمقراطیة وجمھوریة ألمانیا الدیمقراطیة، العلاقات الدبلوماسیة مع الصین بالتتابع، وبعد فترة غیر طویلة أقیمت العلاقات الدبلوماسیة الرسمیة بین الصین ویوغسلافیا في ینایر عام ١٩٥٠. وحسب الأعراف الدولیة، یبدأ موعد إقامة العلاقات الدبلوماسیة بین الدولتین من وقت تبادل حكومتیھما برقیات الاعتراف المتبادل بین الجانبین، ولكن الصین الجدیدة أصرت على إجراء المفاوضات مع الدولة التي ترید أن تقیم العلاقات الدبلوماسیة معھا، والسبب الرئیسي في ذلك یرجع إلى أن بعض الدول ظلت تؤید كتلة الكومینتانغ التي انسحبت إلى جزیرة تایوان، أو أنھا ظلت تحاول تنفیذ مؤامرة تھدف إیجاد “صینین”. لذلك أصرت الحكومة الصینیة على إرسال وفد للتفاوض مع الصین حول إقامة العلاقات الدبلوماسیة، وبعد أن یوضح الوفد موقف حكومتھ نحو كتلة الكومینتانغ یمكن للجانبین أن یتشاورا حول موعد إقامة العلاقات الدبلوماسیة وتبادل الدبلوماسیین.

تمسكت الحكومة الصینیة بأن كل دولة ترید إقامة العلاقات الدبلوماسیة مع الصین علیھا أن تقطع علاقتھا الدبلوماسیة مع كتلة الكومینتانغ، وتؤید الصین في استعادة مقعدھا المشروع في الأمم المتحدة، وتعید الممتلكات التابعة للصین الواقعة في المناطق الخاضعة تحت سیطرتھا إلى حكومة جمھوریة الصین الشعبیة. من نھایة عام ١٩٤٩ حتى بدایة عام ١٩٥٠ اعترفت بالتتابع دفعة من الدول المجاورة مثل میانمار والھند وباكستان وأفغانستان ونیبال وإندونیسیا وسري لانكا بالصین الجدیدة. ومن ینایر إلى مارس عام ١٩٥٠ اعترفت بالصین الجدیدة أیضا بریطانیا والنرویج والدانمارك وفنلندا وسویسرا والسوید وھولندا . وحیث أن مواقف ھذه الدول تجاه المسائل المشار إلیھا أعلاه متباینة فقد تباینت عملیات ونتائج المفاوضات بین الجانبین، ومعظم ھذه المفاوضات جرت بشكل موفق، فكان الجانبان یتوصلان إلى اتفاقیة إنشاء العلاقات الدبلوماسیة بسرعة، ویتم تبادل الدبلوماسیین بینھما، غیر أن عددا قلیلا منھا لم تستطع إقامة العلاقات الدبلوماسیة مع الصین إلا بعد سنوات من المفاوضات، كما كانت علاقاتھا مع الصین الجدیدة “شبھ” علاقات دبلوماسیة، أي إقامة مكتب تمثیل لدى كل طرف. مثلا بریطانیا أعربت، خلال فترة قصیرة نسبیا بعد ولادة الصین الجدیدة، عن اعترافھا بھا وعن رغبتھا في إقامة العلاقات الدبلوماسیة معھا، كان ذلك یعود رئیسیا إلى رغبتھا في الحفاظ على مصالحھا في الصین بقدر الإمكان، ولكنھا لا ترید قطع علاقتھا مع كتلة الكومینتانغ تماما، كما أنھا لم تبد موقفا واضحا في مسألة عضویة الصین في الأمم المتحدة، وبالتالي لم تتم إقامة العلاقات الدبلوماسیة على مستوى القائم بالأعمال بینھا وبین الصین إلا في عام ١٩٥٤.

وحتى نھایة عام ١٩٥٦ استطاعت الصین الجدیدة أن تقیم العلاقات الدبلوماسیة مع ٢٦ دولة، وتقیم “شبھ علاقات دبلوماسیة” على مستوى قائم بالأعمال مع بریطانیا وھولندا. فقامت الصین مع ھذه الدول بالتعاون الودي والتبادل الاقتصادي والتجاري والثقافي، كما مارست على نطاق واسع التبادل الشعبي مع تلك الدول التي لم تقم علاقات دبلوماسیة معھا.

منذ أواسط القرن التاسع عشر أرغمت الدول الإمبریالیة الصین على توقیع سلسلة من المعاھد غیر المتكافئة معھا عبر وسائل عدوانیة مختلفة، واغتصبت منھا الكثیر من الامتیازات. وإلى جانب احتلال أراضیھا وسلب التعویضات المالیة منھا وإلزامھا بفتح المنافذ التجاریة وتقسیمھا إلى عدة مناطق خاضعة لنفوذ كل منھا، إلي جانب ذلك نھبت من الصین امتیازات عدیدة مثل حق مرابطة القوات العسكریة، حق استئجار أراضیھا أو استعارتھا منھا، حق إقامة المناطق المؤجرة في المدن الصینیة، حق الإبحار في الأنھار الداخلیة، حق إدارة الشؤون الجمركیة، حق التبشیر الحر للأدیان، حق الحكم القنصلي، حق الإدارة الحرة للشؤون التجاریة وغیرھا، كانت تسعي من وراء ذلك إلى السیطرة والتأثیر على الصین في سیاستھا واقتصادھا وثقافتھا.

ومن أجل تصفیة امتیازات الإمبریالیة ونفوذھا وتأثیراتھا اتخذت الصین الجدیدة سلسلة من الإجراءات في مسیرة تأسیسھا وبعدھا.

ألغى جیش التحریر الشعبي أثناء حرب التحریر كل امتیازات الإمبریالیة حیثما ذھب، فقد اضطرت كافة القوات الأمریكیة المرابطة والسفن الحربیة الإنجلیزیة إلى الانسحاب من أراضي الصین ومیاھھا الإقلیمیة، واستعادت الصین كل القواعد العسكریة الأمریكیة باستثناء جزیرة تایوان.

وكان في بكین وتیانجین وشانغھاي وقت تحریرھا ثكنات وبنایات تابعة للقوات الإمبریالیة المرابطة، فاستردتھا الصین الجدیدة كلیا أو استولت علیھا.

وفي سبیل تعزیز الإدارة طالبت الحكومة الصینیة الجدیدة المغتربین الأجانب بتسجیل أحوالھم لدیھا، وألزمتھم على التقید بقوانین الصین الجدیدة، ووعدتھم بحمایة كل من یلتزم بالقوانین الصینیة والتعامل مع من یخالفھا حسب اللوائح المعنیة. وبالنسبة للمغتربین الأجانب الذین یملكون أسلحة وأجھزة إرسال لاسلكیة طالبتھم الحكومة الصینیة تسلیم ما في حوزتھم لدى الجھة المسؤولة وإیداعھا لدیھا بعد وضع ختم التأمین علیھا.

وفیما یتعلق بدخول الأجانب حدود الصین وخروجھم منھا وإقامتھم فیھا أو قیامھم بالنشاطات السیاحیة فیھا وضعت الحكومة الصینیة الجدیدة لوائح إداریة خاصة بھا. وأعلنت الصین أنھا لن تسمح للدول الأخرى بالاعتداء على حقوق القضاء بھا. وھكذا تمت تصفیة بقایا حق الحكم القنصلي التي تمتعت بھا الإمبریالیة في الصین تصفیة تامة.

وقد استرجعت الصین الجدیدة من ید الدول الإمبریالیة حق الإبحار في أنھارھا الداخلیة، فلم تسمح للسفن الأجنبیة عموما أن تسیر في أنھارھا الداخلیة، وفي ظروف خاصة یمكنھا أن تدخل نھر الیانغتسي إذا حصلت على موافقة الحكومة الصینیة، وعلیھا أن ترفع العلم الصیني، وترسو في الموانئ المحددة من الجانب الصیني وتلتزم بكافة القوانین واللوائح الصینیة، وتختم جمیع أسلحتھا وأجھزتھا للاتصالات اللاسلكیة أو للرسم والتصویر. وألغت الصین حق إدارة الجمارك الصینیة من قبل الإمبریالیین، وأبطلت مصلحة الضرائب التي كانت تحت سیطرتھم، وتسلمت مقرات إدارة الجمارك في مختلف الأماكن وأجرت سلسلة من الإصلاحات لھا، وأصدرت لوائح جمركیة جدیدة. في الوقت نفسھ سیطرت الحكومة المركزیة على نشاطات التجارة الخارجیة، وطبقت نظام رخص الاستیراد والتصدیر وغیره من الأنظمة الجدیدة، بذلك عادت إدارة الجمارك الصینیة إلى ید الشعب الصیني.

وأصدرت الصین الجدیدة ((الطرق المؤقتة لإدارة العملة الصعبة))، وطبقت نظام الرقابة للعملات الأجنبیة، وبذلك ألغت امتیاز الدول الإمبریالیة في التحكم في إدارة العملات الأجنبیة والشؤون المالیة في الصین.

وقد تم استرداد الممتلكات العامة التي كان الإمبریالیون لا یزالون یحتلونھا في مناطقھم المؤجرة في المرحلة الأولي من ولادة الصین الجدیدة، وبذلك أزیلت نھائیا جمیع امتیازاتھم في المناطق المؤجرة السابقة.

وبالنسبة للمؤسسات والعقارات التابعة للأجانب في الصین فقد وضعت حكومة الصین إجراءات مناسبة لحلھا حسب ظروفھا المختلفة وعلى ضوء برامج زمنیة مخططة.

كما عالجت حكومة الصین بطرق صحیحة المؤسسات الثقافیة والتعلیمیة التي كانت تدیرھا الحكومات والأفراد والوحدات الأجنبیة في الصین.

ھذه الإجراءات وطدت وحافظت على استقلال الصین الجدیدة وسیادتھا، ومھدت طریقا صحیحا لھا لكي تبني وتطور العلاقات السیاسیة والاقتصادیة والثقافیة مع دول العالم على أساس المساواة والمنفعة المتبادلة.

الصين التمسك بالأستقلال من هنا