الصين مواجھة التحدیات العسكریة الجدیدة في العالم

الصين مواجھة التحدیات العسكریة الجدیدة في العالم ، منذ سبعینات القرن العشرین، حدثت تغیرات سیكولوجیة ھامة فى حیاة المجتمع البشري وتعاملھ مع التكنولوجیا الحدیثة. حیث ظھرت طفرة كبیرة فى مجال التكنولوجیا العالیة والحدیثة التي أصبحت تكنولوجیا المعلومات نواة لھا الآن. وتخدم تكنولوجیا المعلومات أدوات كثیرة نذكر منھا على سبیل المثال: تكنولوجیا المیكروإلكترونیات والكمبیوتر والذكاء الإصطناعي والإتصالات، ومجموعة تكنولوجیا الفضاء التي تمثلھا الأقمار الصناعیة، الطائرات، السفن والمراكز الفضائیة، ومجموعة تكنولوجیا الطاقة النوویة التي یمثلھا الإندماج النووي، ومجموعة تكنولوجیا المواد الحدیثة التي تمثلھا المواد التركیبیة والمواد المقاومة لدرجة الحرارة العالیة، ومجموعات التكنولوجیا البیولوجیة التي تمثلھا الھندسة الوراثیة، ومجموعة تكنولوجیا الإستثمار الأمثل للبحار والتي تمثلھا الھندسة البحریة.

مما لاشك فیھ أن ظھور ھذه السلاسل من مجموعات التكنولوجیا العالیة والحدیثة وإستخدامھا في المجال العسكري قد خلق تغیرات عسكریة جدیدة تناولھا العالم أجمع وتركت تأثیرا عمیقا وبعیدا. إن التغیرات العسكریة الجدیدة في العالم الجدید لا تضاھیھا التغیرات التي حدثت في عھد الحرب الباردة أو الحربین العالمیتین الأولى والثانیة وما اتصف بھ عھد المیكنة الحدیثة من حیث العمق والسعة. إذا قلنا إن تطور تكنولوجیا التعدین قد حقق ثورة في عھد الزراعة والرعي، وإن تطور التكنولوجیا الكھربائیة والمیكانیكیة قد حقق ثورة المھارات في العصر الصناعي، فقد حقق تطور تكنولوجیا المعلومات في عصرنا الحالي ما یسمى بثورة الذكاء الإصطناعى. ھذه الثورة الھائلة فى التكنولوجیا الحدیثة لم یكن الھدف منھا فقط ھو زیادة فعالیة القتال في التطویر العسكري السابق مثل (أدوات القتال ذات المسافة الأبعد والسرعة الأكبر وقوة التدمیر الأعظم)، بل ھو التوسع الذكائي لفعالیة القتال (أكثر ذكاء)؛ وذلك بجعل ھذه الأدوات ھى امتداد لأطراف الإنسان، بل امتداد لعقلھ. إن ثورة الذكاء ھى نتیجة لتحول الحضارة البشریة من العصر الصناعي إلى عصر المعلومات، كما أنھا إنعكاس للتنافس الدولي من ناحیة قوة الدولة الشاملة في المجال العسكري. یعود السبب الرئیسي لھذه التغیرات إلى تحقیق طفرة نوعیة فى التطویر العسكري لدعم الحصول على مكانة إیجابیة وتفوق إستراتیجي بین المجتمع الدولي في القرن الحادي والعشرین. أیضا من الأسباب الجوھریة لتحول المجتمع البشري من المجتمع الصناعي إلى مجتمع معلوماتي بالدرجة الأولى ھو أن أصبح كل شيء یخدم التكنولوجیا العالیة التي تكون تكنولوجیا المعلومات نواة لھا كقوة محركة رئیسیة، وضرورة بناء قاعدة معلومات أساسیة “للتكامل النظامي” وذلك بھدف بناء قوات آلیة مناسبة للحرب الآلیة في العصر الصناعي كقوة معلومات للحرب المعلوماتیة في عصر المعلومات.

الصين مواجھة التحدیات العسكریة الجدیدة في العالم

في ظل ھذه التغیرات، وبدافع الحفاظ على المكانة والوضع الدولي المسیطر على أسـاس قوة الدولة وجیشھا، ألقت الولایات المتحدة الأمریكیة بكل ثقلھا في مجال التطویر العسكري وصنع منصة للحروب المعلوماتیة وتسلیح الجیش بالمعلوماتیة والقدرات الكاملة كنواة لدفع التحول الشامل من حیث أسلوب التفكیر والنظریات العسكریة ونظام الأسلحة والأجھزة، وأصبحت “رائدة” في ھذه التغیرات. إن حروب الخلیج وكسوفو وأفغانستان والعراق التي نشبت منذ تسعینات القرن العشرین أظھرت مدى القوة والفعالیة العسكریة التي حققتھا الولایات المتحدة لدفع التطویر العسكري الجدید. ثم زجت روسیا وألمانیا وفرنسا وبریطانیا والیابان وكندا والھند وكوریا الجنوبیة وإسرائیل وإسترالیا وغیرھا من عشرات الدول بنفسھا في التطویر أیضا، حیث انطلقت من موقع بلدانھا لوضع استراتیجیة للتطویر وتحدید مراكز الثقل، وزیادة التمویل في الدفاع الوطني، لترفع مكانة بناء تحدیث الجیش وتسرع ببناء نظام القتال المعلوماتي لرفع قدرة الدولة الإستراتیجیة، ولترفع مستوى الدفاع الوطني ومعلوماتیة الجیش. تحث ھذه التغیرات العالمیة خطاھا حالیا، فتغیرت ملامح الحرب الحدیثة بصورة عمیقة، وتغیر أسلوب الحرب الحدیثة وأشكالھا، وأصبحت المعلومات ھي أھم الموارد الإستراتیجیة للحرب الحدیثة الیوم وعنصرا محوریا یقرر مدى كفاءة قدرة قتال الجیش، مع اعتبار أسلوب عدم الاشتباك والأسلوب غیر المتناظر من الأسالیب الرئیسیة للحروب الحدیثة الآن، ویصبح الفضاء أعلى مراقب إستراتیجي جدید للتنافس الدولي.

یأتى تفوق التكنولوجیا الصناعیة فى المرتبة الثانیة الآن بعد تفوق التكنولوجیا المعلوماتیة، حیث أصبحت درجة كمال نظام القتال وقدرتھ المعلوماتیة معیارا ھاما لتقییم القدرة الاستراتیجیة للدولة، ویحدد معامل الأمان لدولة ما ومكانتھا في الوضع الاستراتیجي الدولي في المستقبل.

في ظل ھذه التغیرات العسكریة التاریخیة الھامة، سیتحول “الضعف التكنولوجي” لبناء المعلوماتیة إلى “الضعف الإستراتیجي” لقدرة الدولة على الأداء یوما فیوما. لذلك من المؤكد أن تؤثر معرفة ھذه التغیرات ودرجة تمویلھا في ازدھار وأمن الدولة. بالنسبة لدول العالم وخاصة الدول النامیة الضعیفة نسبیا من حیث قوة الدولة والمتخلفة نسبیا في التكنولوجیا، تعتبر ھذه التغیرات فرصة إستراتیجیة لھا للحاق بركب التطویر والتحول من الضعف إلى القوة، كما أنھا امتحان كبیر لوعي یقظة أمة ما وقدرتھا على الابتكار، وتحدیدا لمصیر ومستقبل الدولة.

بالنسبة للصین، رغم تواجد الفرص والتحدیات مع ھذه التغیرات تبدو التحدیات قاسیة جدا. إن الجیش الصیني واجھ امتحانات نیران ودماء الحروب الثوریة الصینیة المحلیة؛ وتم بناء الدفاع الوطني الصیني بالإضافة إلى تحدیث الجیش من الصفر إلى وضعھ الحالي وتحقیق إنجازات مدھشة بعد تأسیس الصین الجدیدة؛ وبرغم تأسیس الصین نظام صناعة الدفاع الوطني والعلوم والتكنولوجیا للدفاع المستقل الذي یحتوي على التكنولوجیا الفضائیة معتمدة على ذكاء شعبھا وبأقل تمویل ممكن في العالم، إلا أن أساس الدفاع الوطني الصیني وبناء الجیش ضعیف، والـتمویل فیھ محدود، فلا یزال الدفاع الوطني الصیني والنظام العسكري في مرحلة المیكنة وشبھ المیكنة. الجیش الصیني جیش حدیث كامل الأسلحة وذو قدرة قتالیة كبیرة، إلا أن التناقض التكویني بارز نسبیا، خاصة أن نسبة ودرجة المعلوماتیة لیست عالیة بین القوات البحریة والجویة وسلاح الصواریخ الاستراتیجیة، فلم یتخلص بعد من آثار “الجیش البري” بدرجة ما.

من وجھة النظر العسكریة، رغم أن الصین قد اخترعت نظریة الحرب الشعبیة ونظریة الدفاع الإیجابي، إلا انھ لا تزال كیفیة استخدام ھاتین النظریتین في الممارسات الحربیة في ظروف المعلوماتیة موضوعا ھاما یحتاج إلى حلھ بإلحاح. التناقض الرئیسي للدفاع الوطني الصیني وبناء الجیش یكمن فى عدم تكیف الدفاع الوطني الصیني والجیش مع مطالب مستوى التحدیث وتطور الحروب الحدیثة.

ھناك فجوة كبیرة بین مستوى الدفاع الوطني الصیني ومستوى تحدیث الجیش والدول المتقدمة ذات التكنولوجیا العسكریة الحدیثة. حسب توجھ التغیرات العسكریة العالمیة حالیا، إذا لم نتخذ إجراءات فعالة ولم نعزز بناء المعلومات ولم نرفع قدرة المجابھة بین الأنظمة للحرب المعلوماتیة، فإننا أمام الفجوة الخطیرة التي تزید یوما بعد یوم. إن التفوق التكنولوجي العسكري المتمثل في مواجھة البنادق والمدافع للدول الإمبریالیة للسیوف والرماح الصینیة قدیما قد یتحول الآن إلى تفوق تكنولوجي عسكري متمثل في صراع معلوماتیة الدول المتقدمة مع المیكنة وشبھ المیكنة للجیش الصیني، الأمر الذى یعد تھدیدا خطیرا لأمن الصین. لذلك فإن التمسك بالفرصة ودفع التغیرات العسكریة الصینیة إیجابیا ھو المخرج الوحید لحل العدید من التناقضات الھامة التي ظھرت في بناء الدفاع الوطني الصیني والجیش وتغییر التخلف النسبي الذى یعیش فیھ، كما أنھ طریقة جذریة لدفع تغییر نظام الدفاع الوطني والنظام العسكري الصیني بأكملھ وتأدیھ لرسالة الجیش وتحقیق الانتصار في الحروب المعلوماتیة، لتنمیة الأمة الصینیة في المستقبل ومصیرھا التاریخي.

التغیرات العسكریة الصینیة

كونھا جزء من التغیرات العسكریة الجدیدة في العالم الیوم، اعتلت التغیرات العسكریة الصینیة ثورة المعلوماتیة وثورة الذكاء. من بین القوة البشریة والمواد والطاقة والمعلومات وغیرھا من العناصر الرئیسیة للحرب، تصبح المعلومات عنصرا محوریا یسیطر على القوة البشریة والمواد والطاقة. المعلومات ھي الجوھر والنواة للتغیرات العسكریة الجدیدة حالیا. وھى المكون الأساسي للتغیرات العسكریة، والتمسك بالمعلومات ھو الجوھر والنواة لدفع ابتكار النظریات والتكنولوجیا العسكریة والنظام العسكري، وتحقیق تحول الدفاع الوطني والنظام العسكري من المیكنة وشبھ المیكنة إلى المعلوماتیة تحولا شاملا.

دفع ابتكار النظریات العسكریة، إثبات النظریات العسكریة الحدیثة المناسبة مع الحروب المعلوماتیة، ھو روح التغیرات العمیقة في المجال العسكري الصیني بل العالمي. یمكن القول إنھ لن یوجد تغیر عسكري حقیقي بدون ابتكار نظري وتفكیري. الدفع النظري والدفع التكنولوجي قوتان محركتان كبیرتان للتغیرات العسكریة في عصرنا الحالي، كما أنھما إحدى الخصائص التي تمیز التغیرات العسكریة الیوم عن التغیرات العسكریة قدیما. ھما أحد مكونات التغیرات العسكریة الجدیدة، وشرط ضروري وقوة یرشدان التغیرات العسكریة الجدیدة لتتجھ إلى العمق. في التغیرات العسكریة الحالیة، تبذل مختلف الدول جھودھا في دراسة نظریات الحروب المعلوماتیة، وظھرت نظریات ومفاھیم وأفكار جدیدة بلا انقطاع.

مثل نظریة القتال المتكامل ذي كل الأبعاد، ونظریة القتال بتھدید المعلومات والھجوم والدفاع بالمعلومات، ونظریة تقریر السرعة نتیجة القتال، ونظریة مركز المعلومات في القتال، ونظریة السیطرة على المعلومات وعلى الفضاء، وعدم الاشتباك والأسلوب غیر الخطى والأسلوب غیر المتناظر وغیرھا من نظریات القتال، تعكس كلھا النظریات والأفكار الجدیدة ذات العلاقة بالحروب المعلوماتیة.

في بدایة تسعینات القرن العشرین، وفي بدایة ظھور أشكال وأسالیب الحرب الجدیدة، طرحت الصین أولا الفكرة الإستراتیجیة المتمثلة في “تحقیق الانتصار في الحروب الجزئیة في ظروف التكنولوجیا الحدیثة خاصة التكنولوجیا العالیة” لتكون مبدأ استراتیجیا یرشد الجیش في بنائھ وفي قتالھ، الأمر الذى أظھر تقدما كبیرا في وحدة التفكیر الإستراتیجي. في السنوات الأخیرة، ومع التطور العمیق لممارسة التغیرات العسكریة الجدیدة،

أوضحت الصین أكثر أن یكون مركز الأساس للاستعدادات العسكریة في تحقیق الانتصار في الحروب الجزئیة تحت ظروف المعلوماتیة. الجھة الأساسیة لابتكار النظریات العسكریة الصینیة ھي: على أساس إرث التراث الثقافي العسكري التاریخي الممتاز، وانطلاقا من بیئة الصین الاستراتیجیة وواقع المطالب الاستراتیجیة في القرن الجدید، تحطیم قیود التفكیر العسكري التقلیدي مثل القتال المتعاون باتخاذ سلاح واحد كقوة رئیسیة، والتفكیر في القتال السطحي، والتفكیر في الاشتباك الأرضي بحجم كبیر والحرب الآلیة، وتجدید المفاھیم حول الحروب والإستراتیجیة، وإثبات التفكیر في القتال المتكامل وذي كل الأبعاد في عصر المعلوماتیة، والقتال المشترك على أساس القدرة، والتفكیر في القتال الدقیق المتوسط والطویل المدى، والتفكیر في القتال الذكي، وإثبات مفھوم الانتصار والفشل في الحرب في عصر المعلومات، ومفھوم عائدات الحرب، ومفھوم زمن ومكان الحرب ومفھوم السیطرة على الحرب ومفھوم طاقة الحرب ونظام الحرب الخ، مزید من المناقشة حول أسلوب الحرب الجدید للقتال المباغت وھو “تقاتل أنت حسب خطتك، وأقاتل حسب خطتي” في ظروف مستوى المعلومات غیر المتناظر ونظام ھذا الأسلوب، والمناقشة حول الجمع بین حرب الشعب والتكنولوجیا المعلوماتیة وغیره من طرق وأفكار القتال الجدیدة.

دفع ابتكار التكنولوجیا العسكریة وإقامة نظام الأسلحة والأجھزة المعلوماتیة ھو الأساس المادي لتحقیق التغیرات العسكریة ذات الخصائص الصینیة. بالنسبة للصین ذات الأساس الاقتصادي والتكنولوجي الضعیف نسبیا وحیث ان مستوى تحدیث جیشھا منخفض نسبیا، أصبح تطویر الوسائل العسكریة والأسلحة والتجھیزات العسكریة المتقدمة التي أساسھا التكنولوجیا المعلوماتیة، وتحقیق قفزة للقدرة العسكریة أمرا نوعیا ملحا ومھما للغایة. في ثمانینیات القرن العشرین، أشار زعیم الصین الراحل دنغ شیاو بینغ بنظره البعید إلى أن “الصین لابد أن تطور العلوم والتكنولوجیا العالیة الخاصة لھا لتحتل مكانة في مجال العلوم والتكنولوجیا العالیة بالعالم” (ص ٢٧٩ ،المجلد ٣ لمختارات من مؤلفات دنغ شیاو بینغ). بتشجیعھ المباشر قبلت حكومة الصین <<اقتراح حول متابعة تطویر التكنولوجیا العالیة الاستراتیجیة العالمیة>> الذي قدمھا وانغ دا ھانغ وغیره من العلماء الأربعة الصینیین، كما نظمت الحكومة الصینییة ندوة لأكثر من ٢٠٠ عالم صیني مشھور للمناقشة، وطرحت <<منھج خطة بحوث وتطویر العلوم والتكنولوجیا العالیة>>، أي “خطة ٨٦٣ .”منذ تنفیذھا حققت الخطة مجموعة من الثمار الھامة في مجالات البیولوجیا والفضاء والمعلومات واللیزر والطاقة والمواد الحدیثة وغیرھا من العلوم والتكنولوجیا العالیة، ووصلت المشروعات الكثیرة منھا الى المستوى المتقدم عالمیا. فحققت الخطة عنصر نمو وقوة دافعة جدیدة في تطور العلوم والتكنولوجیا للدفاع الوطني الصیني. بعدھا وضعت الصین “خطة فوق ٨٦٣ “وغیرھا من خطط التكنولوجیا العالیة والحدیثة العسكریة الأخرى.

من أجل مناسبة مطالب مجابھة نظام المعلومات والقتال غیر المتناظر في ظروف المعلومات، وأثناء عملیة دفع التغیرات العسكریة، ستواصل الصین التمسك بمبدأ “تقصیر خطوط الجبھة، وإبراز مركز الثقل، مع تركیز القوة المالیة والمادیة والبشریة لإنجاز قضایا كبیرة”، ومبدأ “تحقیق المھمات الرئیسیة مع ترك الأمور الصغیرة جانبا”، لمتابعة آخر تكنولوجیا عالیة وحدیثة عالمیة وتعزیز قوة الابتكار الذاتي والإسراع في بحوث وصنع التجھیزات العسكریة الرئیسیة والاستیلاء على أعلى مرقب لبعض التكنولوجیات المحوریة، والاستیعاب لأعلى الوسائل الجدیدة ذات حقوق الملكیة الفكریة المستقلة والقوة الرادعة الاستراتیجیة وقوة القتال، لتشكیل والحفاظ على التفوق النسبي والتفوق الجزئي في سبیل تحطیم احتكار وابتزاز التكنولوجیا العالیة والحدیثة. ویجب تشكیل نظام الأسلحة والتجھیزات المعلوماتیة على أساس تطویر الأسلحة المعلوماتیة بقوة. في ناحیة توجھ تطور التكنولوجیا العسكریة العالمیة، یحتوي نظام الأسلحة والتجھیزات المعلوماتیة الذخیرة الموجھة الدقیقة، ومنصة القتال المعلوماتي، والنظام الذكي العسكري بلا قائد، والأسلحة الرقمیة للأفراد، C4 ،ونظام الأسلحة بالإضافة الى نظام المعلومات العسكریة أو نظام I ذات المفاھیم الجدیدة الخ. یجب أن یصبح كل ذلك إحدى جھات ابتكار التكنولوجیا العسكریة الصینیة، لنحقق تحول التكنولوجیا العسكریة الصینیة الجذري من المیكنة وشبھ المیكنة إلى المعلوماتیة عبر ابتكار التكنولوجیا العسكریة.

إن دفع ابتكار النظام العسكري وإقامة قاعدة للنظام الجدید ھما التمثیل التنظیمي والضمان النظامي للتغیرات العسكریة ذات الخصائص الصینیة. إن التوجھ المشترك لإصلاح النظام العسكري لمختلف الدول بالعالم الیوم ھو تعمیق إصلاح تكوین الجیش بدفع ھدف المعلومات، لتسھیل نقل المعلومات بسرعة، وتحقیق أفضل جمع بین الإنسان والسلاح، واتخاذ إظھار فعالیة القتال بأكبر درجة ممكنة لتحقیق الھدف، وتصغیر الحجم، وتحسین التركیب، وتقصیر عملیة نقل المعلومات، وتبسیط عملیة القیادة، ورفع المكون التكنولوجي المعلوماتي للجیش، وتحقیق تحول أسلوب القتال من أسلوب التركیب التقلیدي إلى أسلوب القطع والتكامل والتنوع، ویتحول نظام القیادة من الأسلوب العمودي بشكل الشجرة إلى أسلوب شبكي مسطح.

منذ تأسیس الصین الجدیدة، وبعد مرات من الإصلاح، حقق الجیش الصیني تقدما كبیرا من حیث القوة والفعالیة العالیة والتركیب، خاصة منذ تسعینات القرن العشرین، ومن أجل مواكبة مطالب الانتصار في الحرب العالیة التكنولوجیا الجزئیة، یسرع الجیش بالتحول من طراز كثافة القوة البشریة إلى طراز كثافة القوة التكنولوجیة، ومن طراز الكمیة والحجم إلى طراز النوعیة والفاعلیة، الأمر الذى أرسى قاعدة ممتازة لمزید من ابتكار النظام العسكري الصیني.

مع التطور العمیق للتغیرات العسكریة الجدیدة، ستزید الصین قوتھا في حل التناقضات التركیبیة من الدرجتین المتوسطة والعمیقة في بناء الجیش، وتنسیق نسب مختلفة للأسلحة والقوات والأجھزة والمقاتلین وغیر المقاتلین؛ وإقامة أنظمة القیادة والقتال واللوجستي والتعلیم والتدریبات المناسبة لمطالب الحروب المعلوماتیة، لتحقیق التحول الشامل لتكوین الجیش؛ وستتمسك الصین بتنفیذ مشروع استراتیجیة الأكفاء في عصر المعلومات، وتنمیة مجموعة كبیرة من الأكفاء العسكریین المتمیزین بالوفاء للوطن والبنیة القویة والتفكیر السریع وإتقان الشؤون العسكریة ومعرفة المعارف العلمیة والتكنولوجیة الحدیثة والتكنولوجیا المتخصصة، والذین یمكنھم أن یقدموا ردا صحیحا وسریعا في بیئة الحرب ذات المعلومات الكثیفة والتغیرات الكثیرة والمجابھة القویة، ویسیطروا على الحرب الحدیثة بسھولة، یحتوي ھؤلاء الأكفاء المتخصصین في القیادة من الطراز التركیبي، وفي الاستشارة والعلوم والتكنولوجیا، مما جعل ھذا الجیش الشعبي الذي حقق أمجادا كثیرة یواصل أمجاد الماضي في عصر المعلومات.

طریق التطور  ذي خصائص صینیة

بناء الدفاع الوطني الصیني وتحدیث الجیش لا یزال في مرحلة متخلفة نسبیا أي في مرحلة المیكنة وشبھ المیكنة بصورة عامة، ولم تنجز مھمات المیكنة بعد، ویواجھ تحدیات قاسیة للمعلوماتیة، لذلك لا یمكنھ أن یبتعد عن الواقع طماعا لتحقیق المعلوماتیة مباشرة، ولا یمكنھ أن یسلك طریق الدول المتقدمة الغربیة القدیم في بناء الدفاع الوطني والجیش ویلحق بھا خطوة فخطوة لینجز شبھ المیكنة ثم المیكنة ثم المعلوماتیة، بل علیھ أن یستفید من كل الشروط المفیدة الممنوحة من العصر ویتمسك باتخاذ المعلوماتیة كمرشد لتقوده ویصلح المیكنة، ویدفع بھذه المیكنة الجدیدة المعلوماتیة متجاوزا مرحلة المیكنة التقلیدیة وبعض مراحل بدایة المعلوماتیة التي یمكن تجاوزھا، ویدفع بناء الدفاع الوطني والجیش شاملا بقفزة جزئیة في سبیل المھمتین التاریخیتین المزدوجتین وھما بناء المیكنة والمعلوماتیة، محاولا تحقیق الھدف الاستراتیجي لبناء الجیش المعلوماتي في أواسط ھذا القرن. تحقیق التطور  لبناء الدفاع الوطني والجیش الصیني ضروري بل ممكن.

أولا، التغیر العصري للتكوین العسكري مبني على الأساس المادي المختلف عموما، لا توجد علاقة منطقیة حتمیة بین تكوین عسكري قدیم وتكوین عسكري جدید. الأمر الذى قدم إمكانیة لتحقیق دولة متخلفة نسبیا تطورا  على أساس مادي جدید. فمثلا، أساس التغیر العسكري المعدني لم یكن التطور الكامل للأسلحة الخشبیة والحجریة، بل أساسھ النحاس والحدید وغیرھما من التكنولوجیا الجدیدة. والعنصر المحوري لتغیر البارود العسكري لم یكن التطور بدرجة عالیة للأسلحة البارودیة، بل كان أساسھ اختراع البارود واستخدامھ. نفس الحال أن العنصر الرئیسي للتغیر العسكري المعلوماتي ھو تكنولوجیا المعلومات. الدولة والجیش اللذان لم ینجزا تغیر المیكنة بعد، لا داعي لھما أن یدخلوا تغیر المعلومات بعد إنجازھما مھمات المیكنة، بل یمكنھما أن یشغلا التغیر المعلوماتي أثناء انتقالھما من شبھ المیكنة إلى المیكنة.
ثانیا، یقدم التطور الكامل للتكنولوجیا العسكریة المتقدمة في العالم والتبادل المستفیض بینھا منھجا ضروریا وشروطا خارجیة لتحقیق الدولة والجیش للتطور القافز. القفز والتجاوز لیس قفزا وتجاوزا نفسھ، بل قفز وتجاوز بعض مراحل تطور الدول والجیوش الأخرى. یعتبر التطور المستفیض للتكنولوجیا العسكریة المتقدمة وتعاملھا العالمي مقدمة ضروریة وبیئة موضوعیة لتطبیق الدولة والجیش المتخلفین نسبیا التطور  حیث یمكنھما أن یلمسا بنفسیھما تبادل التكنولوجیا والأفكار العسكریة ودراستھا والاستفادة منھا واستقدامھا. بدون ھذه البیئة
الخارجیة الكبیرة لا یمكن تحقیق التطور القافز.

ثالثا، یقدم الانتشار والتسرب والمشاركة في التمتع والضم التي تتمیز بھا تكنولوجیا المعلومات الحدیثة شروطا تكنولوجیة جیدة لبناء المعلوماتیة. تتمیز تكنولوجیا المعلومات بمیزة الاستخدام المدني والعسكري معا، حیث یمكن تحویل التكنولوجیا المعلوماتیة المدنیة إلى الاستخدام العسكري. إن مجتمع المعلومات مجتمع بدون حدود وغیر مقید بالحدود الجغرافیة، تكنولوجیا المعلومات، بصفتھا حامل مادي، تربط المجتمعات البشریة ربطا كاملا لأول مرة، ویصعب منع تنقل المعلومات ونشرھا. خاصة تكنولوجیا المعلومات التى تجعل من الدول المتخلفة نسبیا تقوم بالتنمیة على نقطة انطلاق عالیة.

رابعا: بدأ بناء معلوماتیة الدولة الصینیة متأخرا نسبیا، لكنھ تطور بسرعة. في فترة الخطة الخمسیة الثامنة (١٩٩١-١٩٩٥ (أصبحت الصین إحدى الدول التى تمتلك أكبر شبكة ھاتفیة في العالم، حیث مدت ٢٢ خطا رئیسیا للكابل الضوئي، تجاوز إجمالي طولھا ١٠٠ ألف كم، وحققت شبكة الاتصالات قفزتین من شبكة صناعیة إلى شبكة أوتوماتیكیة، ومن تكنولوجیا المحاكاة إلى التكنولوجیا الرقمیة. طورت الصین آلیات حاسبة ضخمة متقدمة عالمیا سرعتھا تریلیون مرة في كل ثانیة مثل آلة “ینخھ” وآلة “شوقوانغ”. وفي فترة الخطة الخمسیة التاسعة (١٩٩٦– ٢٠٠٠،( اصبح لإنشاءات المعلومات الأساسیة التي قوامھا شبكة الاتصالات والبرید وشبكة الإذاعة والتلفزیون وشبكة الكمبیوتر حجم كبیر، الأمر الذي قدم شروطا ھامة لدفع بناء معلوماتیة الدفاع الوطني والجیش الصیني وتحقیق قفزة فى التطویر.

من أجل دفع قفزة التطویر للدفاع الوطني والجیش الصیني، تمسك الصین دائما بالجمع بین الدراسة والاستفادة والابتكار مع اتخاذ الابتكار الذاتي الأسلوب الرئیسي. تعتقد الصین أن أیة دولة وأي جیش لا یمكنھ أن یحقق التحدیث و یقوم بالبناء وھناك سیاسة الباب المغلق رافضا دراسة التجارب المتقدمة للدول الأخرى. لكن الدراسة والاستفادة یجب أن تجریا على أساس الاختیار والنقد والاستقلال الذاتي، ولا یمكن أن تجریا بصورة عمیاء أو بنقل جامد. الابتكار الذاتي روح لتحقیق التطور الهائل.

الصين و قضية تايوان من هنا