الدفاع الوطني الصیني

الدفاع الوطني الصیني موضوع یرغب فیھ القراء الصینیون والأجانب دائما. بإعتبار أن الصین دولة نامیة كبیرة وناھضة، ما ھي خصائص بیئة الأمن الصینى؟ وما ھي طریقة بناء الدفاع الوطني الصیني؟ وما ھو مستوى تحدیثھ؟ وھل تحقق تنمیة الدفاع الوطني الصیني تھدیدا للسلم العالمي والإستقرار الإقلیمي أو تعد إسھاما لھما؟ یسعى ھذا المقال أن یقترب مع القراء من الدفاع الوطني الصیني بحثا عن أجوبة لكل ھذه الأسئلة.

الصين القديمة

في الصین وفي العھود القدیمة، كانت كلمة “الدولة” مكتوبة بشكل  (منقوش على العظام أو دروع السلاحف من عھد أسرة شانغ- القرن ١٦-١١ قبل المیلاد) و (منقوش على قطع برونزیة قدیمة)، وھى مكونة من جزئین، جزء یعنى”المدینة” وجزء یعنى “السلاح”. ومفھوم ذلك ھو الدفاع عن المدینة بالسلاح. لذلك یمكن القول بأن  الصینیین القدماء قد عرفوا أن الوظیفة الأساسیة للدولة ھي أن تحمي حیاة الشعب السلمیة بالأسلحة قبل آلاف السنین.

الصين بعد الحربين العالميتين

بعد دخولنا القرن الحادي والعشرین، وبرغم أن صور مآسي الحربین العالمیتین مازلت عالقة بذاكرة الناس، ومع تطور قضیة السلم العالمي بإستمرار، فلم یعد العالم مستقرا بعد، ولا تزال سیاسة القوة موجودة، وشبح الحرب موجود، حیث تسبب التوسع الإستراتیجي والنزاعات – بین الأمم والقومیات بالإضافة الى التناقضات الدینیة والنزاعات حول الأراضي والموارد- حروبا دائمة. ولأن المجتمع الدولي لیس لھ آلیة تنفیذ إجباري لمنع الحروب، فقد أصبح تعزیز الدفاع الوطني ومقاومة العدوان الأجنبي والدفاع عن عمل الشعب السلمي من المھام الرئیسیة لحیاة وتنمیة الدول ذات السیادة.
لذلك كان من الطبیعى أن تقوم الصین- بصفتھا دولة ذات سیادة – بتعزیز دفاعھا الوطني والدفاع عن كیانھا، لأن ذلك یعد من مسؤولیاتھا المقدسة وحقوقھا الأساسیة. ویجري بناء الدفاع الوطني الصیني في بیئة أمن معقدة جدا، كما أن تعزیز بناء الدفاع الوطني ذو أھمیة خاصة للصین. 

تاريخ الصين مع الغزو الخارجي

الصین دولة قدمت إسھامات ھامة للحضارة البشریة في التاریخ وتعرضت للعدوان الأجنبي عدة مرات وعانت من الظلم والإھانة من الدول الإمبریالیة، الأمر الذى جعل الصین تفھم بناء الدفاع الوطني الحدیث فھما عمیقا.
الصین إحدى الدول القلیلة التي یعود تاریخ حضارتھا إلى أكثر من ٥ آلاف سنة في العالم. فمنذ آلاف السنین عرف الأجداد الصینیون ازدھار العصر الزراعي على أراضیھم. ومنذ القرن التاسع عشر، شنت الدول الإمبریالیة الغربیة – التي نھضت أثناء الثورة الصناعیة وعرفت الأسواق العالمیة ومواقع الإستثمار وإستغلال الموارد الإستراتیجیة – حروبا عدوانیة على الصین واحدة بعد أخرى واقتحمت أبواب الصین بالمدافع والبنادق التي صنعت في الثورة الصناعیة لتنھب موارد البلاد، فمنھا حرب الأفیون الأولي التي شنتھا الإمبریالیة البریطانیة وحرب الأفیون الثانیة التي شنتھا الجیوش البریطانیة والفرنسیة معا في القرن التاسع عشر وحرب جیاوو التي شنتھا الیابان العسكریة من عام ١٨٩٤ إلى عام ١٨٩٥ والحرب الیابانیة الروسیة التي شنتھا الیابان وروسیا الإمبریالیتان على أراضي الصین للتنافس على المستعمرات، والحرب العدوانیة الشاملة التي شنتھا الیابان العسكریة ضد الصین. ومن حرب الأفیون ١٨٤٠ إلى الحرب الیابانیة العدوانیة الشاملة، كانت الصین دائما مطمعا من تلك الدول الإمبریالیة، كبیرة أم صغیرة.

فقد كانت حرب الأفیون أكبر حربا للمخدرات حجما وأكثرھا إنحطاطا وضراوة في العالم. عشیة الحرب ھربت الدول الغربیة أكثر من ٤٠ ألف صندوق من الأفیون سنویا إلى الصین، ونھبت ٢٠ ملیون یوان فضة من الصین. ولم تدخر الدول الإمبریالیة الغربیة وسعا في اللجوء للحرب لحمایة نفسھا في تھریب الافیون وتقسیم مناطق للنفوذ لھا على أراضي الصین وإقامة الامتیازات الأجنبیة والاحتلال وقتل المواطنین ونھب موارد الصین. من <<اتفاقیة ناجینغ الصینیة البرطانیة>> الموقعة یوم ٢٩ من أغسطس ١٨٤٢ إلى <<اتفاقیة الملاحة والتجارة الصینیة الأمریكیة>> الموقعة فى١٤ نوفمبر ١٩٤٨ ،أجبرت الدول الأجنبیة الحكومة الصینیة على توقیع ١١٧٥ إتفاقا على التوالي، ٨٦٢ إتفاقا منھا تم توقیعھا بین الصین وبریطانیا وفرنسا والولایات المتحدة الأمریكیة والیابان وألمانیا وروسیا، حیث تحتل ٧٥ ٪من إجمالي الإتفاقیات، وقد كانت معظمھا تتسم بالقوة والاضطھاد والظلم وعدم المساواة. عن طریق عدة إتفاقیات مثل إتفاقیة نانجینغ وإتفاقیة بكین وإتفاقیة تیانجین وإتفاقیة ییلي وإتفاقیة ماقوان وإتفاقیة شین تشو وإتفاقیة لاسا وإتفافیة یانتاي وغیرھا من الإتفاقیات غیر المتكافئة، بالإضافة إلى تعویضات الحرب التي إبتزتھا الدول الغربیة من الصین وھى تعادل بالفضة ٩٥٣ر١ ملیار یوان، بما یساوى ١٦ ضعف الدخل المالي لحكومة أسرة تشینغ الصینیة عام ١٩٠١ و٨٢ ضعف إجمالي ممتلكات المناجم والصناعات الصینیة عام ١٩٠١ .كانت السفن الحربیة الأجنبیة العدوانیة تبحر فى أنھار الصین كما تشاء، وتعلق لافتة “ممنوع دخول الصینیین والكلاب” فى حدیقة وایتان بمدینة شانغھاي. الأمر الذى لم یكن فقط أكثر ظلاما في تاریخ الصین، بل كانت أكثرھا وحشیة.

الیوم ینفتح الشعب الصینى على العالم بصدره الرحب مواجھا للمستقبل. لكن التاریخ لا یمكن أن ینسى، ولا یمكن أن تعود المآسي من جدید. إذا نسیت أمة ماضیھا، لا یمكنھا أن تسیطر على حاضرھا وتبني مستقبلھا. لذلك یفھم الشعب الصینى جیدا أھمیة الدفاع الوطني، وعزز عزیمتھ على بناء دفاع وطني حدیث لحمایة سیادة الدولة.

الأمن البحري والبري للصين

الدفاع الوطني الصیني ، الصین بلد یمتلك مساحات شاسعة على البحار وحدوده البریة والساحلیة طویلة فھو یمتلك الیابس والبحار، لذلك فتواجھھ مسئولیة الأمن بریا وبحریا، ومھمة الدفاع الوطني ثقیلة جدا. الصین بلد بري كبیر مترامي الأطراف، ویطل على البحار من الشاطئ الغربي للمحیط الھادي، ویمتلك ٦ر٩ ملایین كم مربع من الیابس و٣ ملیون كم مربع من البحار؛ بلغ إجمالي حدوده البریة ٢٢ ألف كم، وإجمالي حدوده الساحلیة ١٨ ألف كم. الأمر الذى جعل الصین تستفید من الیابس والبحار معا، ولھا مطالب وفرص للتنمیة البریة والبحریة، كما أنھ تقع على عاتقھا مھمة الدفاع الوطني الثقیلة بریا وبحریا.
مكانتھا كدولة بریة كبیرة، على الرغم من أن مساحة الصین الشاسعة قدمت لھا مجالا إستراتیجیا، یمكنھا أن توزع من خلالھ قوة الدفاع الوطني بصورة معقولة وغیر متمركزة لرفع القدرة القتالیة أثناء الحروب، لكن ھذه المساحة الواسعة والحدود الطویلة حققت مطالب كبیرة لقوة الدفاع الوطني. خاصة أنھ في مساحتھا الواسعة، تختلف البیئة الجغرافیة في الشرق والغرب والجنوب والشمال، ففیھا شبكات المیاه وحقول الأرز المترامیة، وصحراء شاسعة، كما توجد فیھا غابات المنطقة الحارة والھضاب الثلجیة معا، الأمر الذى زاد من صعوبة الدفاع الوطني كثیرا.

مكانتھا كدولة مطلة على بحار كبیرة، رغم أن الصین تمتلك المجال البحري الواسع والجزر الكثیرة والعمق البحري للدفاع الوطني، الا أن الصین تقع في منطقة بحریة شبھ مغلقة. حیث یمتد الطرف الخارجي لمجالھا البحري من جزر آلوشن إلى جزر الیابان وجزر ریوكیو وجزر الفلبین، أي أنھا تحاط بأطول سلسلة جزر بالعالم، وتتصل الصین بالعالم الخارجي عن طریق مضیق كوریا ومجاري ریوكیو المائیة ومضیق تایوان ومضایق باشي ومضیق ملقا ومضیق شیوانتا. كما یوجد في ھذا المجال ھمزات وصل للمواصلات البحریة الھامة في العالم، كما أنھا خط المواصلات وشریان الحیاة الذى تتصل الصین عن طریقھ بالخارج، الأمر الذى زاد من المسئولیة الاستراتیجیة البحریة، وزاد تعقد وصعوبة الدفاع الوطني البحري الصین.

في عھد الاقتصاد القائم على الطبیعة الذي یتخذ من الزراعة القوام الرئیسي لھ، كانت الصین في بیئة آمنة مستقلة نسبیا بوجود الصحراء في شمال غربیھا وھضبة بامیر في غربیھا وجبل ھیمالایا في جنوب غربیھا والبحار بشرقیھا. وكانت مسئولیة الأمة في المنطقة المركزیة بیابسھا جاءت من تشویش القومیات البدویة الصینیة بشمالیھا. وكانت قلیلا ما تتعرض للعدوان المسلح البحري باستثناء مرات قلیلة من قرصنة الیابان.

ومع التطور الصناعي في العصر الحدیث، وتوسع الرأسمال والسلع في العالم ونھوض السفن الفولاذیة والسفن بقوة تحریك البخار وغیرھما من وسائل الحرب البحریة الجدیدة، كسر ھدوء الصین، حیث تحولت البحار التي كانت تحمیھا في الماضى إلى ممر سھل لاعتداء الدول الإمبریالیة على الصین. في مدة ١٠٠ سنة بعد عام ١٨٤٠ اعتدت الدول الإمبریالیة على الصین أكثر من ١٠٠ مرة. في حرب الأفیون الأولى ھاجم الجیش البریطاني على قوانغتشو أولا، ثم أسقط مدن شیامن ودینغھاي وتشنھاي ونینغبوه وتشنجیانغ، واعتدى على نانجینغ وجیوجیانغ من مصب نھر الیانغتسي. وفي حرب الأفیون الثانیة، إستولى الجیش البریطاني والفرنسي المشترك على قوانغتشو، ثم إتجھا إلى شمال الصین للإستیلاء على داقوكوه وتیانجین وبكین. وفي حرب جیاوو، صعد الجیش الیاباني بر الصین من ھوایوانكو بشبھ جزیرة لیاودونغ للاحتلال على لویشون، وصعد بر الصین من رونغتشنغ بمقاطعة شاندونغ للاستیلاء على ویھاي. وفي عام ١٩٠٠، صعد بر الصین الجیوش المشتركة للدول الثماني لإسقاط تیانجین وبكین.

الصين – الدفاع الوطني الصيني

في نفس الوقت، لم تنقطع التھدیدات من شمال الشرق وشمال الغرب وجنوب الغرب لبر الصین. منذ عھد أسرة تشینغ (١٦٤٤-١٩١١ (والصین تواجھ مسئولیة الأمن بریا وبحریا معا، وكان في الصین دائما نقاش حول أھمیة “الدفاع البحري أولا أم الدفاع البري أولا”، وتعاني من مشكلة كیفیة الجمع بینھما. لذلك فإن كیفیة التنسیق للوضع الكلي للإھتمام بالدفاع البحري والبري معا لمواجھة مسئولیة الأمن بریا وبحریا كان قضیة إستراتیجیة ھامة یجب على الصین أن تحلھا بصورة سلیمة.

الصين المنطقة الغير مستقرة 

الدفاع الوطني الصیني ، تقع الصین في طرف شرقي القارتین الأوروبیة والآسیویة، في منطقة تشابك المصالح الاستراتیجیة الجغرافیة للدول الكبیرة، فیتأثر أمن الدولة بالمنافسة الاستراتیجیة للدول الكبیرة، العناصر المتغیرة كثیرة، وتتمیز بیئة الأمن بعدم الاستقرار وعدم التحدید.

الصین أحد الأجنحة الشرقیة الكبیرة للقارتین الأوربیة والآسیویة ومركز للسیاسة الجغرافیة العالیة، فھي ملتقي المنطقة الاستراتیجیة الجغرافیة للقارتین الأوربیة والأسیویة والمنطقة الاستراتیجیة الجغرافیة البحریة،  وتواجھ المحیط الھادي، تتصل بشمال شرقي آسیا وجنوب شرقي آسیا وجنوب آسیا وغربي آسیا وأواسط آسیا وغیرھا من المناطق الاستراتیجیة الھامة.

آسیا التي تقع فیھا الصین تعتبر أكبر منطقة من حیث كثافة السكان وعدد الدول الكبیرة. فیوجد في العالم ١٠ بلدان تجاوز تعداد سكان كل منھا ١٠٠ ملیون، و٧ دول منھا في ھذه المنطقة، ھي الھند وأندونیسیا وروسیا والیابان وباكستان وبنجلادش الى جانب الصین. كما أن ھذه المنطقة من أكثر المناطق عالمیا من حیث التوترات الإقلیمیة والأزمات الكامنة، فمثل شبھ جزیرة كوریا وجزر كوریل سكوي (ھناك خلاف حول الجزر الشمالیة الأربع بین الیابان وروسیا) ومضیق تایوان وبحر الصین الجنوبي وكشمیر.

وتلتقي ٤ مراكز للقوى التي یعترف بھا العالم ھنا مباشرة ھي الولایات المتحدة الأمریكیة والصین وروسیا والیابان ما عدا أوروبا. وشكلت أعضاء النادي النووي العالمي، أي الدول الممتلكة للأسلحة النوویة والدول الحدیثة العھد بالأسلحة النوویة، أكثر حلقة نوویة كثافة في العالم حول الصین، حیث تدخر كمیة كافیة من الأسلحة النوویة یمكنھا أن تدمر البشریة جمعاء.

لیس من المؤكد أن تشكل ھذه القوى النوویة والقوى النوویة الكامنة تھدیدا مباشرا للصین، ولكن كثرة من یمتلكون الطاقة النوویة تعنى الإحتمال الكبیر لحدوث عدم السیطرة على القوى النوویة. خاصة أن ھناك بعض التناقضات فى المصالح على درجات مختلفة، فإذا حدثت أزمة نوویة، لاشك أن الأمر سیؤثر علي الصین تأثیرا كبیرا بلا ریب.

ھذه المنطقة بصفتھا ملتقى للمناطق الإستراتیجیة البحریة والبریة للقارتین الأوروبیة والآسیویة، كانت ولا تزال منطقة تتنازع علیھا مختلف القوى الاستراتیجیة، وھدفا للمنافسة الاستراتیجیة للدول الكبیرة.  الیابان وضعت قدیما استراتیجیة تقول “قھر الصین أولا لقھر العالم”. وطرحت مدرسة الاستراتیجیة الطرفیة فكرا یقول: إذا أراد الناس حكم العالم علیھم أن یحكموا القارتین الأوربیة والآسیویة أولا، وإذا أرادوا حكم القارتین الأوربیة والآسیویة، علیھم أن یحكموا المنطقتین الشرقیة والغربیة  أولا. والصین تقع في الموقع الرئیسي بالمنطقة الشرقیة  للقارتین الأوروبیة والآسیویة. فمنذ أواسط القرن التاسع عشر، بدأت الدول  الغربیة تتجمع ھنا للقتال بالسلاح الأبیض سعیا وراء تقسیم الصین. وحاول أمراء الحرب الیابانیون منذ فترة تویوتومي ھیدییوشي صعود بر الصین لتتخلص من مكانتھا كبلد جزر لتصبح بلدا بریا. وفي فترة الحرب الباردة، كانت الصین موقعاً أمامیا لمجابھة المعسكرین الكبیرین، وبعد الحرب الباردة، ومع انھیار الاتحاد السوفیتي وانحلال معاھدة وارسو، تفكك ھیكل القطبین، وفقد توازن الوضع الاستراتیجي العالمي بصورة خطیرة. وكان ھناك تفكیر لتشكیل وضع استیراتیجي جدید، ومن أجل الحصول على مكانة مفیدة، مما أدى الى صراع عنیف بین مختلف القوى الاستراتیجیة، فزادت المنطقة التي تقع الصین فیھا اضطرابا.

علاقة الصين بالدول المجاورة 

الصین أكثر دولة لھا دول مجاورة بعد روسیا في العالم، فتتشابك التناقضات القومیة والدینیة والصراعات حول الأراضي، والمشاكل التي خلفھا التاریخ كثیرة، مما جعل مسألة الأمن معقدة. في نظرة سریعة لجغرافیة الدول العظمى نجد أن الولایات المتحدة الأمریكیة تطل على محیطین شرقا وغربا، ولا توجد دول مجاورة قویة بجنوبھا أو شمالھا، وھناك دولتان تجاورانھا جنوبا وشمالا فقط. ولكندا دولة مجاورة واحدة جنوبا فقط. بینما تحاط بریطانیا وأسترالیا بالبحار ولیس لھما دول مجاروة بریا، فبیئتھما المجاورة بسیطة نسبیا. لكن البیئة المجاورة للصین معقدة.

فتجاور الصین بضعة عشر بلدا ھي: كوریا، روسیا، منغولیا، قازاقستان، قیرغزستان، طاجیكستان، أفغانستان، باكستان، الھند، نیبال، بوتان، میانمار، لاوس، فیتنام الخ. بینما تقابلھا عبر البحار كوریا الجنوبیة والفلبین ومالیزیا وبروناي وأندونیسیا. ولا تجاور الولایات المتحدة الأمریكیة عددا من الدول مثل ذلك وھى القوة العظمي الوحیدة في العالم، والتى یؤثر نشاطھا الإستراتیجي في العالم أجمع.

لا تعني كثرة الدول المجاورة شیئا سیئا. بل تعني كثرة الأصدقاء. “الجار القریب أفضل من القریب البعید”. لكن بسبب كثرة الدول المجاورة، ازدادت نسبة حدوث الاحتكاكات والتصادم في المصالح. وتطبق الصین المبادئ الخمسة للتعایش السلمي، وتتمسك بحسن الجوار دائما، وبینھا وبین معظم الدول المجاورة صداقات تقلیدیة، وبینھا تجارب تاریخیة متشابھة ولدیھا الرغبة المشتركة في حمایة السلم والتنمیة الاقتصادیة، لذلك تحافظ الصین على علاقات السلم والصداقة والتعاون مع الدول المجاورة بصورة عامة. ولكن لا یمكن إنكار وجود فارق كبیر داخل المنطقة وبین الدول المجاورة بسبب اختلاف توزیع القومیات وتكوینھا في المناطق المجاورة للصین والاختلاف الھائل في مستوى التنمیة الاقتصادیة والمعتقدات الدینیة والتقالید الثقافیة، ھذا بالإضافة إلى الأسباب التاریخیة والواقعیة، فیسھل حدوث أنواع مختلفة من التناقضات والنزاعات، وكثیر منھا خلفھا الاستعمار. كما أن تغیرات الدول المجاورة اقتصادیا وسیاسیا وعسكریا وسیاساتھا تجاه الصین تؤثر في بیئة أمن الصین تأثیرا كبیرا. خاصة أن عناصر كثیرة نسبیا تكمن في المسائل التالیة:

أولا، المسألة القومیة والدینیة.

الصین دولة متعددة القومیات والأدیان، تعیش فیھا ٥٦ قومیة وتوجد فیھا البوذیة والطاویة والإسلام والكاثولیكیة والمسیحیة إلخ. وسكان بعض المناطق الحدودیة مع سكان بعض الدول المجاروة ینتمون إلى قومیة واحدة ویؤمنون بدین واحد، بینھما علاقات وثیقة عابرة للحدود. ھذه العلاقة الوثیقة مفیدة في التبادل الودي مع الدول المجاورة، وإقامة علاقات حسن الجوار والثقة المتبادلة، ومن ناحیة أخرى، من السھل أن تتأثر بالنزعة القومیة الضیقة والتناقضات الدینیة.

ثانیا، مسألة حدود الأراضي.

تم تحدید معظم الحدود البریة بین الصین والدول المجاورة لھا، إلا أن ھناك بعض المشاكل التاریخیة الصعبة لم تحل بعد. في ستینیات القرن العشرین وقعت الصین اتفاقیات أو معاھدات حول الحدود مع میانمار ونیبال وباكستان ومنغولیا وأفغانستان وكوریا، ثم وقعت مع لاوس <<معاھدة الحدود الصینیة اللاوسیة>> عام ١٩٩١.
منذ تسعینیات القرن الماضي، وقعت الصین أیضا إتفاقیات حول الحدود مع روسیا وقازاقستان وقیرغزستان كل على حدة، وحلت مشكلة الحدود بین الصین وبین قازاقستان وقیرغزستان تماما، ویتجھ حل مشكلة الحدود الصینیة الروسیة إلى الحل النھائي. وقعت الصین وروسیا وقازاقستان وطاجیكستان وقیرغزستان اتفاقا حول تعزیز الثقة ونزع السلاح المتبادل في المناطق الحدودیة. أیضا وقعت الصین مع فیتنام <<معاھدة الحدود الصینیة الفیتنامیة البریة>>، وأصبحت المعاھدة ساریة المفعول منذ یولیو عام ٢٠٠٠ ،كما أصبح <<اتفاق حول تحدید حدود خلیج بیفو>> بین الصین وفیتنام و<<اتفاق حول التعاون في السماكة في خبیج بیفو>> بین الصین وفیتنام ساریین في ٣٠ یونیو ٢٠٠٤ .ولكن تبقى مشكلة جزر نانشا لم تحل بعد بین الصین وفیتنام.

وقد وقعت الصین مع الھند <<اتفاق حول اجراءات إقامة الثقة في المجال العسكري في منطقة خط السیطرة الواقعي بالحدود بین الصین والھند>>، الأمر الذى ھیأ جوا طیبا لحل مشكلة الحدود بین الدولتین. لكن علینا أن نرى أن حل المشاكل التي خلفھا التاریخ بین الصین والدول المجاورة لھا یحتاج إلى مزید من الجھود والوقت. بلغت مساحة الأراضي في المناطق الحدودیة التي یوجد خلاف حولھا بین الصین والھند ٥ر١٢٥ ألف كم مربع، أى تعادل ٤ أضعاف مساحة بلجیكا أو ٣ أضعاف مساحة سویسرا، فھي لیست فقط أكبر منطقة بریة یوجد خلاف حولھا بین الصین والدول المجاورة لھا، بل ھى أكبر منطقة یوجد خلاف حولھا بین الدول البریة في العالم. حالیا تسیطر الصین على أكثر من ٣٠ الف كم مربع منھا واقعیا، وتسیطر الھند على أكثر من ٩٠ ألف كم مربع منھا واقعیا، ولم یدخل الطرفان فى تفاوض جوھري حول الحدود بعد.
أما المنطقة التي یوجد خلاف حولھا بین الصین وطاجیكستان فقد تركھا الاتحاد السوفیتي سابقا، وقد وقعت الدولتان <<اتفاق حول الحدود بین الصین وطاجیكستان>> في مایو ٢٠٠٢ .في ١٤ أكتوبر ٢٠٠٤ وقعت الصین مع روسیا <<اتفاق إضافي حول الجزء الشرقي للحدود بین الصین وروسیا>>، الأمر الذي یرمز إلى تحدید كل الحدود بین الصین وروسیا.
لكن لا تزال بعض الخلافات بین الصین وبعض الدول المجاورة الأخرى حول الحدود. مما یجعل لھذه المشاكل التي خلفھا التاریخ أن تؤثر في المشاعر القومیة بین الطرفین، ویمكنھا أن تؤثر في عناصر أمن واستقرار حدود الصین. 

ثالثا، مسالة الحقوق والمصالح البحریة.

وفقا لـ<<قانون البحار>> للأمم المتحدة، تمتلك الصین ٣ ملایین كم مربع من میاه البحار الاقلیمیة، فھناك مجالات بحریة مشتركة للصین والدول المجاروة البحریة لھا في البحار بشرق الصین وجنوبھا وھي بحر ھوانغھاي والبحر الشرقي وبحر الصین الجنوبي ما عدا بحر بوھاي الذي یعتبر البحر الداخلي للصین. ولأسباب تارخیة وإستراتیجیة وجغرافیة وللتنازع على الموارد، واجھت المیاه الاقلیمیة لبحار الصین مشاكل التقسیم وإغتصاب مواردھا والإعتداء على جزرھا الغنیة الھامة. وأھمھا جزر دیاویوي وجزر نانشا. حیث تشمل جزیرة دیاویوي وجزیرة ناشیاوداو وجزیرة بیشیاوداو وتشونغبییان وتشونغنانیان وھوانغوییوي وتشیوییوي إلخ، وأكبرھا جزیرة دیاویوي، مساحتھا ٣٦ ألف كم مربع.

استولت الیابان على مقاطعة تایوان وجزر دیاویوي بالقوة ووضعتھا تحت إدارتھا وھى من أراضي الصین ومن خلال <<معاھدة ماقوان>>. في عام ١٩٤٥ قبلت الیابان وكانت إحدى الدول الخاسرة في الحرب العالمیة الثانیة <<إعلان القاھرة>>، وأرجعت كل الأراضي الصینیة التي استولت علیھا، ومن ضمنھا مقاطعة تایوان، إلى الصین، ھكذا عادت جزر دیاویوي إلى الصین من جدید قانونیا، وتدیرھا محافظة ییلان بمقاطعة تایوان.

إن جزر دیاویوي لا تتعلق فقط بسیادة الصین، بل تؤثر في التقسیم الجغرافي للرصیف القاري للبحر الشرقي والمناطق الاقتصادیة الخاصة، كما أنھا تتعلق بمسائل تطویر وإدارة موارد البترول والغاز وصید الأسماك في الرصیف القاري للبحر الشرقي.

إن مشكلة جزر بحر الصین الجنوبي تعد أكثر تعقیدا من مشكلة جزر دیاویوي. وتمتد ھذه الجزر لأكثر من ١٨٠٠كم من الجنوب إلى الشمال، وأكثر من ٩٠٠ كم من الشرق إلى الغرب، وتنقسم إلى جزر دونغشا وجزر شیشا وجزر تشونغشا وجزر نانشا تقریبا، وتتكون جزر تشونغشان من أكثر من ٢٣٠ جزیرة وحوضا بحریا، ومن أھمھا جزر تایبینغ ونانوي وتشونغیھ وحوض تشنغخھ البحري و وانآن الخ. في عھد الإمبراطور وو دي لأسرة ھان في القرن الثاني قبل المیلاد، بدأ الصینیون الملاحة في بحر الصین الجنوبي واكتشفوا واستثمروا جزر بحر الصین الجنوبي. وفي عھدي أسرتي مینغ وتشینغ (١٣٦٨ – ١٩١١ (كانت جزر نانشا تحت ولایة وانتشو لإقلیم تشیونغتشو في مقاطعة قوانغدونغ. ومنذ عام ١٩٣٤ إلى ١٩٣٥ كونت حكومة الصین لجنة لفحص الخرائط المائیة والبیئیة التي بحثت أسماء جزر بحر الصین الجنوبي، ووضحت أن جزر بحر الصین الجنوبي تقع ضمن خریطة الصین بوضوح. وبعد تأسیس الصین الجدیدة عام ١٩٤٩ ،زادت حكومة الصین تعدیل وتعزیز إدارتھا لجزر بحر الصین الجنوبي، وأقامت مراكز المراقبة البحریة في جزر نانشا وفقا لمطلب الأمم المتحدة. وفي ١٥ أغسطس ١٩٥١ أشار وزیر الخارجیة الصینیة شو أن لاي في “إعلان حول مشروع معاھدة الصلح الأمریكیة – البریطانیة مع الیابان ومؤتمر سان فرنسیسكو” إلى أن “جزر نانشان جزء من أراضي الصین منذ القدم”. واعترف بنظریتھ المجتمع الدولي والولایات المتحدة الأمریكیة اعترافا كاملا.

قبل سبعینات القرن العشرین، لم یكن ھناك خلاف حول إنتماء جزر بحر الصین الجنوبي. حیث تعترف الخرائط الدولیة والوثائق الرسمیة لمختلف الدول التي من ضمنھا فیتنام بسیادة الصین على جزر بحر الصین الجنوبي. وبعد سبعینات القرن العشرین، وبسبب إكتشاف موارد البترول والغاز في مجال میاه بحر الصین الجنوبي بدأت الدول المطلة على بحر الصین الجنوبي سرقة جزر بحر الجنوب. حیث یوجد ٤٥ جزیرة وحوضا بحریا رئیسیا بجزر نانشا، ویسیطر بر الصین الرئیسي على ٦ منھا بالفعل وتسیطر سلطة تایوان على أكبر جزیرة منھا وھي جزیرة تایبینغ، وتحتل على الـجزر والأحواض البحریة الـ٣٨ الأخرى كل من فیتنام (٢٧ (والفلبین (٨ (ومالیزیا (٣ (كل على حدة.

وإنطلاقا من حمایة السلم والاستقرار الإقلیمي والصداقة التقلیدیة مع الدول المجاورة، تدعو حكومة الصین دائما إلى حل المشكلة بالتشاور مع الدول المعنیة بذلك على أساس مبدأ “السیادة لي، وترك الخلافات جانبا، والتنمیة المشتركة” وعلى أساس المبادئ الأساسیة والنظام القانوني التي تحددھا القوانین الدولیة وقانون البحار الحدیث منھا <<معاھدة قانون البحار للأمم المتحدة>> التي تعترف بھا الدول المعنیة بذلك. لكن فھم وقبول كل الأطراف لرغبة الصین  وموقفھا البناء یحتاج الى وقت.

التحديات الخطيرة على الأمن الصيني

الصین دولة نامیة حصل برھا الرئیسي على الاستقلال سیاسیا وھى لم توحد بعد، وھى تنھض سلمیا حالیا ولكن تواجھھا عوائق كثیرة. كما یواجھ أمن حیاة الدولة وأمن تنمیتھا تحدیات خطیرة في نفس الوقت.
تأسست الصین الجدیدة عام ١٩٤٩ ،الامر الذى یعتبر نقطة تحول ھامة. وأستأنفت الصین حقھا فى ممارسة  سیادتھا على ھونغ كونغ وماكاو عام ١٩٩٧ وعام ١٩٩٩ على التوالى.

فقد تأسست الصین الجدیدة منذ أكثر من نصف قرن، ولا تزال تایوان وبنغھو وجینمن وماتسو منفصلة عنھا بالفعل. ومع محاولة الانفصال  داخل جزیرة تایوان بما یسمى بـ”إستقلال تایوان” بدعم القوى الأجنبیة المعادیة للصین، تواجھ الصین خطر إنفصال تایوان من أراضي الصین. وتھدد النشاطات المشجعة للقوى الانفصالیة التایوانیة مستقبل تایوان السیاسي، كما یھدد سیادة دولة الصین وسلامة أراضیھا، وسلم وإستقرار منطقة مضیق تایوان بل كل منطقة آسیا والمحیط الھادي، الأمر الذى یشكل أخطر تحد لأمن الصین الوطني. كما یوجد صراع مسلح بین جانبي مضیق تایوان الذي قد تسببھ قضیة تایوان، حیث تساھم بعض القوى الأجنبیة بالأسلحة، الأمر یسبب إمكانیة حدوث صراع مسلح بین الصین ودول أجنبیة.
أثناء عملیة التنمیة تواجھ الصین مشكلة الأمن الشامل والمتزاید یومیا. ومع تغیر الوضع الاستراتیجي الدولي وإنتقال مراكز ثقل المنافسات الدولیة والأھداف الاستراتیجیة لمختلف البلدان مع السیر بسرعة فى  إتجاه العولمة الإقتصادیة، أصبحت مشكلة أمن الصین سیاسیا وإقتصادیا وثقافیا ومعلوماتیا من مشاكل الأمن الجدیدة التى تزداد یوما بعد یوم. وبرغم تحقیق إصلاح النظام السیاسي والاقتصادي الصیني تقدما عظیما، إلا أنھ لا یمكن تحسین نظام السیاسة الدیمقراطیة الاشتراكیة وإثبات نظام اقتصاد السوق الاشتراكي بسھولة وبسرعة كبیرة، بل سیواجھ الكثیر من العثرات وسیعاني أیضا من إضطرابات كثیرة . إن إصلاح النظام السیاسي والاقتصادي الصیني ھو ثورة عمیقة، تؤثر بالتأكید في العلاقات بین مختلف المصالح الموجودة والتناقضات العمیقة المختلفة، ویمكن لعثرة صغیرة أن تسبب ھزات اجتماعیة شدیدة وانفراط عقد التنمیة.
مع التطور العمیق للإصلاح والانفتاح الصیني، أصبحت العلاقات بین الصین والعالم الخارجي وثیقة یوما بعد یوم، وإزدادت درجة اعتماد الاقتصاد الصیني على السوق الخارجیة. الأمر الذى یعمق العلاقات بین الصین والعالم، ویفید فى توظیف السوقین الدولیة والمحلیة والموارد الدولیة والمحلیة. لقد سلكت الصین طریق النھوض السلمي. وتتقابل التنمیة المحلیة والعالمیة فى نفس الھدف ونفس المصالح والأمجاد.

إن الصین أصبحت منفتحة ولیست منغلقة، مزدھرة ولیست فقیرة ومتخلفة، مستقرة ولیست مضطربة، قویة ولیست ضعیفة، تتفق ومصالح العالم أكثر. إن إستقرار الصین ھو إستقرار خمس تعداد سكان العالم، وتنمیة الصین ھي تنمیة أكبر سوق ناھضة في العالم. فبدون ازدھار اقتصاد الصین، لن یكون لإزدھار منطقة آسیا والمحیط الھادي معنى على الأقل. إن تطور الصین ھو تطور القوى البناءة العالمیة. فإن قوة وعظمة الصین ھي قوة وعظمة القوى السلمیة بالعالم. وعلى ذلك فإن تطور وعظمة الصین لن یعود بالخیر إلى الأمة الصینیة فحسب، بل لكل العالم. ولكن  یوجد فى العالم من ھم یكنون مشاعر معقدة غیر بناءة تجاه التنمیة الصینیة. وربما لا تسعدھم مشاھدة إغلاق وتقلص السوق الصینیة، لكن لا یریدون رؤیة نھوض الصین السریع أیضا، ولا یریدون أن یروا أن الصین تسیر بخطى سریعة مثلھم، فھذا النھوض یشكل تحدیا للنظام الحالي الذي یسیطرون علیھ ولمصالحھم الحالیة.

بوجود ھذه العقليات، تظھر العراقیل التي تواجھھا الصین في طریق التنمیة، ویؤدى ذلك الى التصادم والإحتكاك بل أحیانا یصل الى صراعات ناتجة عن الكبح ومقاومة الكبح، الحصار ومقاومة الحصار، التدخل ومقاومة التدخل. لأن بیئة الأمن تتصف بھذا التعقید أصبحت مھمة الدفاع الوطني الصیني صعبة في عصرنا الیوم. حیث تواجھ الصین صعوبات أكثر من الدول الأخرى في أداء مسؤولیاتھا وحقوقھا للدفاع الوطني، وتحتاج بذل جھود أكبر.